شرائح رئيسيةمنوعات

غيوم في مرحلة المراهقة

لابد لك وأن اختبرت تلك المرحلة الانتقالية من العمر التي تبتعد فيها عن كونك طفلاً مدللاً وتقترب من مرحلة النضج لتصبح بالغاً مسؤولاً عن أفعالك، حيث تشعر بالعديد من التقلبات لكنك ربما لا تستطيع التعبير عنها، تزداد رغبتك في الاستقلالية وتكوين عالمك الخاص، نعم إنها المراهقة..

خلال فترة المراهقة الممتدة من السن 12 إلى 24 من العمر، يواجه الشباب العديد من التغييرات أثناء انتقالهم من مرحلة الطفولة إلى مرحلة البلوغ، إذ تشمل هذه التغييرات التطور البدني والسلوكي والمعرفي والعاطفي والاجتماعي، لكن ربما نظن أحيانا أن المراهق يتصرف بغرابة في المواقف والأحداث المحيطة به، ويعود ذلك لكونه يفتقر في هذه المرحلة إلى كمية كافية من المعالجة المنطقية نظراً لعدم اكتمال تلك الآلية في دماغه بعد، بل تكون قيد التطور.

يحتاج أخصائيو الصحة العامة الذين يتعاملون مع المراهقين إلى معرفة معلومات جوهرية عن مسار تلك الفترة الانتقالية التي يمر بها أي مراهق ليصبح بالغاً، إذ يقترح الباحثون أن المراهقة تمر بثلاث مراحل نمو رئيسية هي: مرحلة المراهقة المبكرة، ثم المراهقة المتوسطة التي تليها أخيراً مرحلة المراهقة المتأخرة (النضج المبكر).

المراهقة المبكرة (10-14 سنة)

خلال هذه الفترة التطورية، يختبر المراهقون مراحل بداية سن البلوغ، حيث يعاني كلا الجنسين من نمو جسدي كبير وزيادة في الاهتمام الجنسي، أما من ناحية الوظائف المعرفية، فإنه على الرغم من قدرة المراهقين المحدودة على التفكير المجرد في هذا العمر لكن أفاق تفكيرهم تبدأ بالتوسع شيئا فشيئاً حتى يستطيعون في نهاية هذه الفترة تكوين صورة فكرية وأخلاقية أعمق عن المحيط.

مرحلة المراهقة المتوسطة (15-17 سنة)

تضم هذه المرحلة كوكبة من التغيرات السايكولوجية المهمة في كيفية تفكير المراهقين وشعورهم وتفاعلهم مع الآخرين، حيث تتميز هذه المرحلة أيضا بتباطؤ في النمو البدني أو حتى باكتماله أحيانا لدى الإناث مع استمراره عند الذكور، ومع ذلك يستمر المراهق في هذه المرحلة في اكتساب قدرة متنامية للفكر التجريدي ويضع خططا مستقبلية وأهدافاً طويلة الأمد، ويصبح مهتما بمعنى الحياة والتفكير ليكوّن آراءه ونظرياته الخاصة، لكن في المقابل يعاني من العديد من التغيرات الاجتماعية والعاطفية بما في ذلك بداية إظهاره للانغماس بالذات، وتكوينه للأفكار الخاصة به، وزيادة الدافع للاستقلالية، إذ يبدأ العديد من المراهقين بالعمل، وعاجلا أم آجلاً سوف يغادر العديد منهم المنزل وذلك بعد المدرسة الثانوية.

المراهقة المتأخرة (18-24 سنة)

عادة ما يمر المراهقون في هذه المرحلة بتطور بدني قليل مقارنة بالمزيد من التطورات المعرفية، حيث يكتسبون القدرة على التفكير بطريقة عقلانية وأكثر موضوعية، يبدأ البعض بتأخير عملية الإشباع والرضا ويقتصرون على التخطيط للمستقبل واكتساب حس ثابت بالهوية، ويجدر الإشارة إلى أن هذه المرحلة تمثل حجر الأساس لعملية الاستقرار العاطفي والنفسي للمراهقين وانخراطهم في حيز الحياة.

ربما تحدثنا فيما سبق عن التغيرات السلوكية التي تطرأ على المراهق لكن هل سبق وفكرنا بحجم التغيرات العاطفية التي يخضع لها الفرد في مرحلة المراهقة وتأثيراتها المستقبلية على حياته؟

في العقد الماضي، استخدم علماء الأعصاب والإدراك التصوير بالرنين المغناطيسي MRI لدراسة نشاط الدماغ خلال التفاعل الاجتماعي لمجموعة مؤلفة من 10 بالغين و18 مراهقاً، فكشفت هذه الدراسات عن وجود اختلافات ثابتة في نشاط الدماغ بين المراهقين والبالغين.

تم فحص المتطوعين وتسجيل نشاط أدمغتهم أثناء قراءتهم لجمل تصف الأوضاع الاجتماعية التي يشعر فيها الفرد بالعواطف الأساسية مثل الإحراج أو الذنب، مثل النظر في معتقدات الآخرين أو مشاعرهم أو رغباتهم، حيث يشعر المرء بالإحراج عندما يعتقد أن شخصاً ما يحكم على أفعاله كأحمق، ويشعر بالذنب عندما يدرك أن شخصاً ما يعاني بسبب أفعاله.

في هذه الدراسة اعتمد الباحثون على مكونات نظام يدعى بـMentalizing System، وهو مجموعة من المناطق في القشرة الدماغية التي تضم القشرة الأمامية من الفص الجبهي، والتلم الصدغي الخلفي العلوي عند التقاطع الصدغي-الجداري pSTS / TPJ، والفص الصدغي الأمامي ATL والتي أظهرت نشاطاً واضحاً عند التعرض لاختبار الحالة الاجتماعية المرتبطة بالعواطف الأساسية في كل من الفئات العمرية

(انظر الشكل)

ومع ذلك وجدت الدراسة أنه تنشط لدى المراهقين المنطقة arMPFC المسؤولة عن آلية وطريقة تقديم الفرد نفسه للمحيط ونظرته للتمثيل الاجتماعي بقوة أكبر من البالغين بالنسبة للعواطف الأساسية، لتجد في المقابل أن البالغين تنشط لديهم منطقة ATL أكثر التي يعتقد أنها تخزن المعلومات الدلالية العاطفية والاجتماعية.

في الآونة الأخيرة، أظهرت تجارب تصوير الدماغ أن هذه التغيرات في مرحلة البلوغ الاجتماعي مرتبطة أيضاً بتطور الدماغ، فمناطق مثل arMPFC، التي تشارك في تمثيل الحالات العقلية، تستمر فيها المادة الرمادية والبيضاء في النضج طوال سنوات المراهقة مما يؤمن للمراهق الاستجابة بشكل ملائم أكثر للتجارب الاجتماعية المبنية على العواطف الأساسية، وفي اكتشاف حديث آخر تبين أن النشاط خلال مهام الإدراك الاجتماعي يختلف بين فترة المراهقة المبكرة والمتوسطة وقبيل البلوغ.

لكن السؤال الأهم هو لماذا تصنف فترة المراهقة بأنها المرحلة الأكثر ضبابية وضعف فيما يخص التطور العاطفي في حياة الفرد؟

في دراسة نشرت في مجلة Psychological Science شارك فيها باحثون في علم النفس من جامعة هارفرد الأمريكية وجامعة واشنطن، تبين أن المراهقين في عمر العشرين لا يستطيعون التمييز بين العواطف السلبية مقارنة بالأطفال أو البالغين، حيث يميل الأطفال إلى الإبلاغ عن شعور واحد فقط في كل مرة، مما ينتج عنه تجارب عاطفية متباينة ولكن متفرقة، في حين يبدأ المراهقون المشاركة في تجربة العواطف لكنهم ليسوا قادرين على التفريق بينها بشكل كامل كما يفعل البالغون.

في تلك التجربة أكمل 143 مشاركاً تتراوح أعمارهم بين 5 و25 عاماً مجموعة من المهام المرتبطة بالعاطفة، وذلك عن طريق عرض مجموعة من الصور التي تحمل بعضاً من المشاعر السلبية وتسجيل ردات الفعل والوصف المرتبط بالصورة.

وكشفت النتائج عن وجود نمط غير خطي على شكل حرف U ينشأ نتيجة لأن الأطفال هم أكثر عرضة للإبلاغ عن شعور واحد فقط عند مشاهدة الصورة في حين كان المراهقون أكثر عرضة للإبلاغ عن العديد من المشاعر المترابطة في وقت واحد، ليعود الوضع للبالغين الذين يميلون إلى الإبلاغ عن عدة مشاعر في وقت واحد، لكن يبدو أنهم قادرون على التمييز بين المشاعر عبر التحكيم المنطقي على عكس المراهقين، ولخّص القائمون على الدراسة بأن فترة المراهقة هي فترة من المخاطر المتصاعدة التي تتميز بانعدام الوضوح والخلط في المشاعر أو ربما تؤدي إلى صعوبة في التمييز وتنظيم المشاعر لدى المراهقين مما يمكن أن يساهم في خطر الإصابة بأمراض عقلية لاحقاً.

تسلّط هذه النتائج الضوء على كون الوسائل التي يميز بها الأفراد بين العواطف تختلف باختلاف مراحل نموهم، مما يشير إلى مسار تنموي يمكن تأكيده في أبحاث مستقبلية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى