شرائح رئيسيةمنوعات

لا ”يمسه“ إلا المطهرون.. هل يُشجع الله البرصا؟

يقول أحدهم: ”ذهب حاخام وقس لمشاهدة مباراة في الملاكمة بين لاعب يهودي وآخر مسيحي، وعندما دخل اللاعبان الحلبة بدأ الملاكم المسيحي في أداء بعض الطقوس الدينية السريعة، فسأل الحاخام القس ماذا يعني ما يقوم به هذا الملاكم؟ فأجاب القس: ”لا يعني شيئا على الإطلاق إذا لم يكن بارع في الملاكمة بما فيه الكفاية““.

كعادة الإنسان في ممارسة هوايته المشهورة بملء الفراغات بالله؛ لم تسلم الرياضات بأنواعها خاصة كرة القدم من هذا الأمر، فبدأ خلطها بالدين والإله وكذلك الشيطان، من الذي وضع الخطة؟ مدرب الفريق.. من نفذها؟ لاعبو الفريق.. من سدد الهدف؟ مهاجم الفريق.. إذًا كيف انتصرتم؟ الشكر لله!

لا أتحدث هنا فقط عن الفكرة بشمولية إنما في أدق التفاصيل التي قد تشعر بالاندهاش إذا ما تأملتها مليًا، فأنا أتذكر مثلًا أنه في إحدى مقابلات لاعب الأهلي المصري الشهير محمد أبو تريكة وبسؤاله عن التمتمة التي يكررها قبل كل ضربة حرة ينفذها، قال أنه يردد: ”وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى“، والآن لك أن تتخيل الله بعد أن قام بتأجيل جميع الأمور الأخرى التي يجب الانتهاء منها كالمجاعة في الصومال، والحرب في فلسطين، ثم وقف بجوار أبو تريكة ليختار الزاوية التي سيضع فيها الكرة! وطبعًا إذا ضاع الهدف فمن الممكن أن يظن أبو تريكة أنه قد سبق الله في تسديد الكرة!

حتى حارس المرمى الذي ينتظر تسديدة أبو تريكة بالإضافة إلى معاونة الله، فقد يستفيد من متابعة الرب لكرة القدم فيبدأ هو الآخر في ترديد ”فأغشيناهم فهم لا يبصرون“، مثل حارس مرمى فريق حرس الحدود الذي قال أنه يفعل ذلك أثناء تنفيذ ركلات الترجيح ضده، وهكذا يسدد الله الكرة ويتصدى لها في نفس الوقت.

وقد يتطور الأمر لديك لتصف ما يحدث داخل الرقعة الخضراء على أنه عدل الله، كما قال معلق مباراة مصر وهولندا في كأس العالم جملته الشهيرة ”عدالة السماء نزلت على ستاد باليرمو“، وهذا يبدو سخيفًا للغاية بينما ينتظر المستضعفون في الأرض نفس تلك العدالة، ولم تصلهم بعد!

بالطبع هناك بعض الأفعال المفهومة والمبررة مثل السجود فرحًا بتسجيل هدف، أو الدعاء وقراءة الفاتحة، أو رسم الصليب قبل بدء اللعبة، وإن كان كل هذا بلا طائل في حال كنت تواجه ميسي مثلًا، ولكن أن يؤمن أحدهم بأن لله أدوارًا تفصيلية لهذه الدرجة فالأمر قد خرج عن السيطرة بلا شك، حتى أنا كنت أظن في وقت ما أن الزمالك قد خسر مباراة القمة لأنني لم أؤدي صلاة العشاء في وقتها وأجلتها إلى ما بين الشوطين، في الوقت الذي كنا نعتمد على أحمد غانم سلطان وعمرو الصفتي في دفاع الفريق لمواجهة تريكة وبركات وعماد متعب.. والله أيضًا. في الحقيقة أنا لا أعرف من تشجع تحديدًا، لكنني متأكد بأنك لمرة على الأقل قد فسرت خسارة فريقك بأنها عقاب الرب عليهم أو عليك، أليس كذلك؟

هذه الأفكار ليست حكرًا على الشرق الأوسط فقط، فإذا بحثت عن أصل معجزة (ليستر سيتي)، ذلك الفريق المتواضع الذي تمكن من الصعود إلى الدوري الإنجليزي وحصد البطولة بدلًا من كبار الدوري في أكبر مفاجآت القرن ربما، ستعلم أن مالك النادي كان قد استقدم رهباناً بوذيين لأداء طقوس معينة تشمل اللاعبين وغرف خلع الملابس وحتى مقاعد البدلاء، واصطحب الفريق إلى أحد المعابد البوذية لإتمام الطقوس، وهكذا تغلب بوذا على جميع آلهة الفرق الأخرى رغم فارق الإمكانيات الرهيب بينهم، قبل أن يعود بوذا إلى شجرته للاستمرار في رحلة تأمله وترك (ليستر سيتي) في وسط جدول الترتيب حاليًا.

وإذا كانت هناك عدة بلدان ينحاز فيها الرب لفريق واحد معظم الأوقات، كـ(بايرن ميونخ) في ألمانيا مثلًا، فإنه يبدو أكثر إنصافًا وتوزيعًا لجهده إذا ما تحدثنا عن المنافسة الأشهر في العالم، الكلاسيكو التاريخي بين ريال مدريد وبرشلونة، فتارة يحرز مع البرصا لقب الدوري الإسباني ثم يلحق بكتيبة مدريد لحصد بطولة أبطال أوروبا، وحينما يقرر أنه قد مل من اللعب أحيانًا قد يظهر فريق (فالنسيا) في الصورة قبل أن يعود ليختار رفيقه في التشكيل بن زيمة أم ليونيل ميسي. وبالحديث عن ميسي، فلا ننسى آخر تصريحات أبو تريكة أثناء تحليله إحدى المباريات الأوروبية بأن ميسي هو الدليل على وجود خالق لهذا الكون.. ها قد هُزم الإلحاد بالضربة المقصية القاضية وأصل الإنسان أصبح كائن الـ”ميسي“.

وفي ظاهرة أكثر منطقية من الدفع بالإله إلى أرض الملعب، قرر بعض من جمهور الأرجنتين إنشاء ديانة كاملة مستوحاة من كرة القدم، أسموها «الديانة المارادونية»، إذ يتعبدون لإلههم الذين يثقون أنه يحرز الأهداف دون مساعدة من إله ما، ووصفوا هدفه الشهير في مرمى إنجلترا بكأس العالم بيد الإله (يقصدون يد مارادونا) بما أنه أحرز الهدف بيده واحتسب بالفعل.

في النهاية لا أعلم أيهم أكثر ازدراءً لما يسمى بالذات الإلهية، هذا المقال أو من كُتب عنهم المقال، ربما نختلف في تلك النقطة، ولكننا سنتفق أنه لو قرر الإله تشجيع أحد الفرق حاليًا فسوف يشجع البرصا للاستمتاع بهذا الـ”ميسي“، ومن غيره يمكنه ضرب الزاوية حيث يسكن الشيطان في كل مرة يقرر فيها التسديد؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى